فصل: باب ما يكره أن ينبذ جميعا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار ***


باب ما يكره أن ينبذ جميعا

1566- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن ينبذ البسر والرطب جميعا والتمر والزبيب جميعا‏.‏

1567- مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن عبد الرحمن بن الحباب الأنصاري عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يشرب التمر والزبيب جميعا والزهو والرطب جميعا قال مالك وهو الأمر الذي لم يزل عليه أهل العلم ببلدنا أنه يكره ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه قال أبو عمر قول مالك هذا يدل على أن النهي المذكور في هذا الباب نهي عبادة واختيار لا للسرف والإكثار كما قال أبو حنيفة ولا تجوز الشدة عبادة واختيار كما قال الليث وغيره وقول الشافعي في ذلك كقول مالك قال الشافعي أكره ذلك لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الخليطين قال أبو عمر روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب والزهو والرطب من طرق ثابتة من حديث بن عباس وحديث أبي قتادة ومن حديث جابر ومن حديث أبي سعيد ومن حديث أبي هريرة ومن حديث أنس وقد ذكرنا في التمهيد كثيرا منها في باب زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني علي بن مسهر عن الشيباني عن حبيب عن سعيد بن جبير عن بن عباس قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا وأن يخلط البسر والتمر جميعا‏.‏

وحدثانا قالا حدثني قاسم قال حدثني أبو بكر قال حدثني حفص عن بن جريج عن عطاء عن جابر قال نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينبذ التمر والزبيب جميعا وقال أبو بكر حدثني محمد بن بشر العبدي عن حجاج بن أبي عثمان عن يحيى بن أبي كثير عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تنتبذوا التمر والزبيب جميعا ولا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا وانتبذوا كل واحد منهما على حدة قال‏.‏

وحدثني محمد بن مصعب عن الأوزاعي عن يحيى بن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تجمعوا بين الزهو والرطب والزبيب والتمر انتبذوا كل واحد على حدة قال أبو عمر رد أبو حنيفة هذه الآثار برأيه وقال لا بأس بشرب الخليطين من الأشربة البسر والتمر والزبيب والتمر وكل ما لو طبخ على الانفراد حل كذلك إذا طبخ مع غيره وهو قول أبي يوسف الآخر قال الطحاوي وروي ذلك عن بن عمر وإبراهيم وقال محمد بن الحسن أكره المعتق من التمر والزبيب وروى المعافي عن الثوري أنه كره من النبيذ الخلط والسلافة والمعتق وقال الليث لا أرى بأسا أن يخلط نبيذ التمر ونبيذ الزبيب ثم يشربان جميعا قال وإنما جاء الحديث في كراهية أن ينبذا جميعا ثم يشربان لأن أحدهما يشد صاحبه وقال بن وهب وبن القاسم عن مالك لا يجمع بين شرابين وإن لم يسكر كل واحد منهما لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لا ينبذ البسر والتمر والزهر والزبيب‏.‏

وقال الشافعي أكره ذلك لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخليطين قال أبو عمر روى معبد بن كعب بن مالك عن أمه وكانت قد صلت القبلتين أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليطين وروى بن أبي شيبة قال حدثني معاوية بن هشام عن عمار بن زريق عن بن أبي ليلي عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلي قال كان الرجل يمر على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وهم متوافرون فيلقونه ويقولون هذا يشرب الخليطين الزبيب والتمر‏.‏

باب تحريم الخمر

1568- مالك عن بن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع فقال كل شراب أسكر فهو حرام قال يحيي بن معين هذا حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في تحريم المسكر‏.‏

1569- مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الغبيراء فقال لا خير فيها ونهى عنها قال مالك فسألت زيد بن أسلم ما الغبيراء فقال هي الأسكركة‏.‏

1570- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة قال أبو عمر قد ذكرنا في التمهيد مرسل عطاء هذا مسندا من طرق وذكرنا حديث صفوان بن محرز قال سمعت أبا موسى يخطب على هذا المنبر وهو يقول ألا إن خمر أهل المدينة البسر والتمر وخمر أهل فارس العنب وخمر أهل اليمن البتع وهو العسل وخمر الحبشة والأسكركة وهو الأرز قال أبو عمر قد قيل في الأسكركة إنه نبيذ الذرة والأول أصح إن شاء الله تعالى وما ترجم له مالك رحمه الله هذا الباب وأورد فيه من الآثار يدل على أن الخمر عندهم كل مسكر يكون مما كان لأنه ترجم الباب بتحريم الخمر ثم أدخل حديث البتع والبتع شراب العسل لا خلاف في ذلك بين أهل العلم وبين أهل اللغة ثم أردفه بحديث الأسكركة وهو نبيذ الأرز ثم أردف ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة وهذا وعيد شديد جدا لأن الجنة فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من خمر لذة للشاربين وفيها ما تشتهيه الأنفس فمن حرم ذلك فقد عظمت مصيبته وقد قيل أنه لا يدخل الجنة وقد بينا معنى هذا القول والقائل به في التمهيد والذي ذهب إليه مالك في المسكر كله من أي نوع كان أنه هو الخمر المحرمة في القرآن والسنة والإجماع وهو مذهب أهل الحجاز من الصحابة والتابعين وذهب إليه من الفقهاء أئمة الفتوى بالأمصار مالك والليث والشافعي والأوزاعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق وداود وهو الذي تشهد له الآثار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم وتشهد به اللغة في معنى الخمر وهو الذي لم تعرف الصحابة غيره في حين نزول تحريمها حدثني عبد الله بن محمد قال حدثني حمزة قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني سويد بن نصر قال حدثني عبد الله بن المبارك عن حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال كل مسكر خمر وكل خمر حرام هكذا روى هذا الحديث أيوب السختياني عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم حدثني إسماعيل بن عبد الرحمن القرشي قال حدثني محمد بن القاسم بن سفيان قال حدثني أحمد بن شعيب قال حدثني الحسن بن منصور قال حدثني أحمد بن حنبل قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي قال حدثني حماد بن زيد عن أيوب عن نافع عن بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كل مسكر خمر وكل خمر حرام وهكذا روى الليث بن سعد وموسى بن عقبة وأبو حازم بن دينار وأبو معشر وإبراهيم الصائغ والأجلح وعبد الواحد بن قيس وأبو الزناد ومحمد بن عجلان وعبد الله بن عمر العمري كلهم عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه مالك عن نافع عن بن عمر موقوفا لم يرفعه ورواه عبيد الله بن عمر فكان ربما أوقفه وربما رفعه والحديث عندنا مرفوع ثابت لا يضره تقصير من قصر في رفعه وفيه بيان النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر ويشهد لهذا أيضا حديث أنس من رواية مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عنه رواه جماعة عن أنس سنذكرهم إذا ذكرنا الحديث في موضعه إن شاء الله عز وجل وقال أنس كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت وروى عيسى بن دينار عن بن القاسم عن مالك قال نزل تحريم الخمر وما بالمدينة خمر من عنب وروى شعبة عن محارب بن دثار عن جابر قال حرمت الخمر يوم حرمت وما شراب الناس إلا البسر والتمر وروى أبو إسحاق عن أبي بردة عن عمر قال الخمر من خمسة من التمر والزبيب والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خمرته قال أبو عمر الخمر عندهم مشتقة الاسم من مخامرة العقل أي من اختلاط العقل من قول العرب دخل في خمار الناس أي اختلط بهم ومشتقة أيضا من تغطية العقل لقولهم خمرت الإناء غطيته ومشتقة أيضا من تركها حتى تغلي وتسكر وتزبد من قولهم تركت العجين حتى اختمر والاسم الشرعي أولى عند العلماء من اللغوي وهو الإسكار لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم كل شراب أسكر فهو حرام وما أسكر قليله فكثيره حرام وكل مسكر خمر وكل خمر حرام وهذه الألفاظ كلها ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم واتفق علماء المسلمين أنه لا خلاف في صحة قوله عليه السلام كل مسكر حرام إلا أنهم اختلفوا في تأويله فقال فقهاء الحجاز وجماعة أهل الحديث أراد جنس ما يسكر وقال فقهاء العراق أراد ما يقع به السكر عندهم قالوا كما لا يسمى قاتلا إلا مع وجود القتل وهذا التأويل ترده الآثار الصحاح عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة الذين هم أهل اللسان وروى الشعبي عن بن عمر عن عمر أنه قال إن الخمر حرمت وهي من خمسة أشياء من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل وروى عكرمة عن بن عباس قال نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ وروى ثابت عن أنس قال حرمت علينا الخمر - يوم حرمت - وما نجد خمر الأعناب إلا قليلا وعامة خمورنا البسر والتمر وروى المختار بن فلفل قال سألت أنس بن مالك عن الأشربة فقال حرمت الخمر وهي من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة وما خمرته فهو خمر فهؤلاء الصحابة لا خلاف بينهم أن الخمر تكون من غير العنب كما تكون من العنب وقد أجمعت الأمة ونقلت الكافة عن نبيها صلى الله عليه وسلم تحريم خمر العنب قليلها وكثيرها فكذلك كل ما فعل فعلها من الأشربة كلها قال الشاعر‏:‏

لنا خمر وليست خمر كرم *** ولكن من نتاج الباسقات

وأبين شيء في هذا المعنى مع أنه كله بين والحمد لله قول عمر بن الخطاب ذكر أن عبيد الله وأصحابه شربوا بالشام شرابا وأنا سائل عنه فإن كان مسكرا جلدتهم ولا حد في ما يشرب إلا في الخمر فصح أن المسكر خمر قال أبو عمر قد ذكرنا في باب الحد في الخمر أن المسلمين مجمعون على تحريم خمر العنب ووجوب الحد على شارب قليلها وإن كانوا قد اختلفوا في مبلغ حده وذكرنا ما حدوه في عصير العنب متى يكون خمرا وأجمعوا أنه إذا أسكر كثيره فهو خمر ومنهم من حدة بالغليان ومنهم من حدة بالأزباد ومنهم من جعل الحد فيه يوما وليلة ومنهم من جعله يومين ومنهم من جعله ثلاثة أيام وإذا حملت ذلك فهو معنى متقارب كله لجمعه أن يكون كثيرها يسكر جنسا فإذا كان كذلك فهي الخمر التي لا اختلاف في تحريمها وفي تكفير مستحلها واختلفوا في النبيذ الصلب الشديد فقال مالك الأمر عندنا وفي بعض الموطآت السنة عندنا أن من شرب شرابا يسكر فسكر أو لم يسكر فقد شرب الخمر وقد وجب عليه الحد وقال الأوزاعي كل مسكر وكل مخدر حرام والحد واجب على من شرب شيئا منه قال الشافعي ما أسكر كثيره فقليله حرام وفيه الحد فهذا مذهب أهل الحرمين مكة والمدينة ومذهب أهل الشام واليمن ومصر والمغرب وجمهور أهل الحديث‏.‏

وأما أهل العراق فروى المعافى عن الثوري أنه كره نقيع التمر ونقيع الزبيب إذا غلا قال المعافى وسئل الثوري عن نقيع العسل فقال لا بأس به قال أبو عمر إنما خص الثوري -والله أعلم- نقيع الزبيب ونقيع التمر لقوله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وروى أحمد بن يونس عن الثوري قال اشرب من النبيذ كما تشرب من الماء وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة قال الخمر حرام قليلها وكثيرها والمسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر قال ونقيع الزبيب إذا غلا حرام وتحريم الخمر قال والنبيذ العتيق المطبوخ لا بأس به من أي شيء كان وإنما يحرم منه القدح الذي يسكر وقال أبو يوسف من قعد يطلب السكر فالقدح الأول عليه حرام والمقعد عليه حرام والمشي إلى المقعد عليه حرام كما أن الزنى عليه حرام وكذلك المشي إليه قال وإن قعد وهو لا يريد السكر فلا بأس به قال أبو يوسف ولا بأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا ما خلا الزبيب والتمر وهو قول أبي حنيفة في ما حكاه محمد من غير خلاف وقال أبو جعفر الطحاوي وروى يحيى بن أبي كثير عن أبي كثير السخيمي عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة فأخبر عليه السلام أن الخمر منهما ففي ذلك نفي أن تكون الخمر من غيرهما قال واتفقت الأمة على أن عصير العنب إذا غلا واشتد وقذف بالزبد خمر وأن مستحلة كافر واختلفوا في نقيع التمر إذا غلا وأسكر فدل اختلافهم في ذلك على أن حديث أبي هريرة المذكور لم يتلقوه بالقبول والعمل لأنهم لم يكفروا مستحل نقيع التمر كما كفروا مستحل خمر العنب وذكر حديث أبي عون الثقفي عن عبد الله بن شداد عن بن عباس قال حرمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها والسكر من كل شراب قال فدل هذا على أن غير الخمر لم تحرم بعينها كما حرمت الخمر قال أبو عمر قد تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل مسكر خمر وكل ما أسكر فهو حرام وأن تحريم الخمر نزل بالمدينة وخمرهم كانت يومئذ كانت من التمر وفهموا ذلك فأهرقوها وقد روى أنهم كسروا جرارها وذكرنا قول عمر في جلد ابنه أن شرب ما يسكر ولم يخص خمر عنب من غيرها بل اشترط المسكر وذلك كله يرد ما ذكره الطحاوي‏.‏

وأما اعتلاله بالتكفير فليس بشيء لأن ما ثبت من جهة الإجماع كفر المخالف له بعد العلم به من جهة أخبار الآحاد لم يكفر المخالف فيه ألا ترى أنه لا يكفر القائل بأن أم القرآن جائز الصلاة بغيرها من القرآن وجائز تركها في قراءة الصلاة ولا من قال النكاح بغير ولي جائز لا يكفر ولا من قال الوضوء بغير نية يجزئ ومثل هذا أكثر من أن يحصى ولا يكفر القائل به ويعتقد فيه التحريم والتحلل والحدود ألا ترى أنه لا يكفر من قال لا يقطع سارق في ربع دينار مع ثبوت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الآحاد العدول ومثل هذا كثير ولا يمتنع أحد من أهل العلم من أن يحرم ما قام له الدليل على تحريمه من كتاب الله عز وجل ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإن كان غيره يخالفه في ذلك دليل استدل به ووجه من العلم ذهب إليه وليس في شيء من هذا تكفير ولا خروج من الدين وإنما فيه الخطأ والصواب والله عز وجل يوفق من يشاء برحمته وقد شرب النبيذ الصلب جماعة من علماء التابعين ومن بعدهم بالعراق لأنه لا يحرم عندهم منه إلا المسكر ورووا بما ذهبوا إليه آثارا عن عمر وغيره من السلف إلا أن آثار أهل الحجاز في تحريم المسكر أصح مخرجا وأكثر تواترا عن النبي صلى الله عليه وسلم وأكثر أصحابه وبالله التوفيق لا شريك له وروينا عن هشام بن حسان قال سمعت محمد بن سيرين يقول ما أعجب أمر هؤلاء يعني أهل الكوفة لقد لقيت من أصحاب عبد الله علقمة وشريحا ومسروقا وعبيدة فلم أرهم يشربون نبيذ الخمر فلا أدري أين غاص هؤلاء على هذا الحديث قال أبو عمر هذا يصحح قول أبي عبد الرحمن النسائي رحمه الله حيث قال أول من أحل المسكر إبراهيم النخعي‏.‏

وأما حديث مالك عن نافع عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة فحديث ثابت صحيح الإسناد لا مقال فيه لأن أهل العلم ينكرون على من أنفذ فيه الوعيد ويجعلونه إن مات قبل التوبة منها في المشيئة وقد جاء فيه تغليظ كثير كرهت ذكره وأحقه وأصحه ما روى شعبة عن زبيد عن خيثمة أنه سمعه يقول كنت قاعدا عند عبد الله بن عمر فذكر الكبائر حتى ذكر الخمر فكأن رجلا تهاون بها فقال عبد الله بن عمر لا يشربها رجل مصبحا إلا ظل مشركا حتى يمسي قال أبو عمر لم يختلفوا أنه إذا شربها مستحلا أنه كالمشرك وقد قرنها الله عز وجل بالأنصاب المعبودة من دون الله وروينا عن عبد الله بن عمرو أنه قال أول ما يكفأ الإسلام على وجهه كما يكفؤ الإناء الخمر وروى بن عيينة عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن أبي عياش قال أرسلنا إلى عبد الله بن عمر نسأله أي الكبائر أكبر قال الخمر فأعدنا إليه الرسول فقال الخمر من شربها لم تقبل منه صلاة سبعا فإن سكر لم تقبل له صلاة أربعين يوما وإن مات فيها مات ميتة جاهلية وذكره أبو بكر عن بن عيينة وفي الحديث الأول قال حدثني شبابة قال حدثني شعبة وهذان إسنادان لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحتهما ومثلهما في الحديث المرفوع ما ذكره أبو بكر أيضا قال حدثني يزيد بن هارون عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يزني الزاني - حين يزني - وهو مؤمن ولا يشرب الخمر - حين يشربها - وهو مؤمن قال‏.‏

وحدثني يزيد بن هارون عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر مثله‏.‏

باب جامع تحريم الخمر

1571- مالك عن زيد بن أسلم عن بن وعلة المصري أنه سأل عبد الله بن عباس عما يعصر من العنب فقال بن عباس أهدى رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم راوية خمر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أما علمت أن الله حرمها قال لا فساره رجل إلى جنبه فقال له صلى الله عليه وسلم بم ساررته فقال أمرته أن يبيعها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها ففتح الرجل المزادتين حتى ذهب ما فيهما قال أبو عمر في هذا الحديث دليل على أن الخمر لا يجوز لأحد تخليلها ولو جاز لمسلم تخليلها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدع الرجل يفتح من أذنيه حتى يذهب ما فيها منها لأن الخل مال وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال وقد اختلف الفقهاء في تخليل الخمر فقال مالك في ما روى عنه بن القاسم عنه وبن وهب لا يحل لمسلم أن يخلل الخمر ولكن يهريقها فإن صارت خلا بغير علاج فهي حلال لا بأس بها وهو قول الشافعي وعبيد الله بن الحسن العنبري وأحمد بن حنبل وروى أشهب عن مالك قال إذا خلل النصراني خمرا فلا بأس بأكله قال وكذلك لو خللها مسلم واستغفر الله تعالى وذكر بن عبد الحكم هذه الرواية في كتابه عن مالك وهي رواية سوء بخلاف السنة وأقوال الصحابة والذي يصح في تخليل الخمر عن مالك ما رواه بن وهب وبن القاسم عن مالك قال بن وهب سمعت مالكا يقول في رجل اشترى خلا فوجد فيها قلة خمر قال لا يجعل فيها شيئا ليخللها قال ولا يحل لمسلم أن يعالج الخمر حتى يجعلها خلا ولكن يهرقها فإن صارت خلا من غير علاج فإنها حلال لا بأس بها - إن شاء الله عز وجل قال بن وهب وهو قول عمر بن الخطاب والزهري وربيعة قال بن وهب حدثني بن أبي ذئب عن بن شهاب عن القاسم بن محمد عن أسلم مولى عمر عن عمر بن الخطاب قال لا تأكل خمرا فسدت ولا شيء منها حتى يكون الله عز وجل تولى إفسادها قال‏.‏

وحدثني يونس عن بن شهاب قال لا خير في خل من خمر أفسدت حتى يكون الله عز وجل يفسدها قال أبو عمر أجاز أبو حنيفة تخليلها وأن يصنع منها مري وروي في ذلك عن أبي الدرداء رواية ليست بصحيحة وقال محمد بن الحسن لا تعالج الخمر بغير تحويلها إلى الخل قال أبو عمر لا يصح في هذه المسألة إلا ما قاله مالك والشافعي وأحمد بن حنبل ومن قال بقولهم أنه لا يحل تخليل الخمر ولا تؤكل إن خللها أحد ولكن إن عادت خلا بغير صنع آدمي فحلال أكلها والدليل على صحة ما قلنا ما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد بن بكر قال حدثني أبو داود قال حدثني زهير بن حرب قال حدثني وكيع‏.‏

وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي كلاهما عن سفيان الثوري عن السدي عن أبي هبيرة يحيى بن عباد عن أنس بن مالك قال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخمر تتخذ خلا قال لا هذا لفظ حديث قاسم ولفظ حديث أبي داود بإسناده عن أنس أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا أجعلها خلا قال لا وروى مجالد عن الوداك عن أبي سعيد الخدري قال كان عندي خمر لأيتام فلما نزل تحريم الخمر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نهرقها وروى الحسن عن عثمان عن أبي العاص أن تاجرا اشترى من نصراني خمرا فأمره أن يصبها في دجلة فنهاه عن ذلك قال اجعلها خلا قال أبو عمر هذا هو الصحيح من جهة النظر أيضا لأنه لا يستقر ملك مسلم على خمر ولا يثبت له عليها ملك بحال كما لا يثبت له ساعة ملك الخنزير ولا دم ولا صنم فكيف يحللها‏.‏

وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الخمر في حديث هذا الباب إن الذي حرم شربها حرم بيعها وهذا إجماع من المسلمين كافة عن كافة أنه لا يحل لمسلم بيع الخمر ولا التجارة في الخمر أخبرنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال حدثني قتيبة قال حدثنا الليث بن سعد عن يزيد بن أبي حبيب عن عطاء بن أبي رباح عن جابر بن عبد الله أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عام الفتح بمكة إن الله - عز وجل - حرم بيع الخمر والميتة والأصنام قال أبو داود‏.‏

وحدثني أحمد بن صالح قال حدثني بن وهب قال حدثني معاوية بن صالح عن عبد الوهاب بن بخت عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم الخمر وثمنها وحرم الميتة وثمنها وحرم الخنزير وثمنه وروى هشيم ومحمد بن بشر كلاهما قالا حدثني مطيع بن عبد الله الغزال عن الشعبي عن عبد الله بن عمر عن أبيه عمر بن الخطاب قال لا تحل التجارة في شيء لا يحل أكله ولا شربه قال أبو عمر هذا كلام خرج على المطعومات والمشروبات دون الحيوان بدليل الإجماع في الحمار الأهلي وما كان مثله أنه يحل بيعه لما كان فيه من المنفعة ولا يحل أكله وقد ذكرنا في التمهيد حديث عبد الرحمن بن غنم عن تميم الداري أنه كان يهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم راوية من خمر كل سنة فلما كان العام الذي حرمت جاء براوية منها فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحك وقال هل شعرت أن الله عز وجل حرمها وقال إنها قد حرمت فقال يا رسول الله ‏!‏ أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن الله اليهود ثلاث مرات انطلقوا إلى ما حرم الله عليهم من شحوم البقر والغنم فأذابوه وجعلوه إهالة فابتاعوا به ما يأكلون وقال عليه السلام الخمر حرام وثمنها حرام وروي معمر عن قتادة عن أنس قال لما حرمت الخمر جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال كان عندي مال ليتيم فاشتريت به خمرا أفتأذن لي أن أبيعها فأرد على اليتيم ماله قال النبي صلى الله عليه وسلم قاتل الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها ولم يأذن له في بيع الخمر‏.‏

1572- مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال كنت أسقي أبا عبيدة بن الجراح وأبا طلحة الأنصاري وأبي بن كعب شرابا من فضيخ وتمر قال فجاءهم آت فقال إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة يا أنس قم إلى هذه الجرار فاكسرها قال فقمت إلى مهراس لنا فضربتها بأسفله حتى تكسرت قال أبو عمر الفضيخ نبيذ البسر وحده سئل أبو هريرة عن الفضيخ فقال كنا نأخذ البسر فنفضخه ونشربه وكان أنس يقول لخادمه انزع الرطب من البسر وانبذ كل واحد منهما على حدة وقال بن عوف سئل بن سيرين عن الفضيخ فقال هو البسر وقد قيل إن الفضيخ هو خليط البسر والتمر وفي هذا الحديث ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الانقياد إلى الدين والإسراع إلى طاعة الله عز وجل ورسوله عليه السلام وفيه أن نبيذ البسر ونبيذ التمر خمر إذا أسكر وقد مضى هذا المعنى مجودا والحمد لله كثيرا وقد روى هذا الحديث عن أنس بن مالك جماعة يطول ذكرهم منهم سليمان التيمي وقتادة وثابت البنان وعبد العزيز بن صهيب والمختار بن فلفل وأبو التياح وأبو بكر بن أنس وخالد بن الفرز ولم يذكر واحد منهم كسر الجرار إلا إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة وحده وإنما في رواية غيره عن أنس أنه كفاها‏.‏

1573- مالك عن داود بن الحصين عن واقد بن عمرو بن سعد بن معاذ أنه أخبره عن محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكا إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا هذا العسل قالوا لا يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض هل لك أن نجعل لك من هذا الشراب شيئا لا يسكر قال نعم فطبخوه حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه عمر إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء هذا مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه فقال له عبادة بن الصامت أحللتها والله فقال عمر كلا والله اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم ولا أحرم عليهم شيئا أحللته لهم قال أبو عمر قول عبادة لعمر في الطلاء المذكور في هذا الحديث أحللتها لهم يعني الخمر لم يرد به ذلك الطلاء بعينه ولكنه أراد أنهم يستحلونها فضيخ دون ذلك الطبخ ويعتلون بأن عمر أباح المطبوخ منها كما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ستستحل أمتي الخمر فإنهم يسمونها غير اسمها ونحو هذا كما قال الشاعر ‏(‏هي الخمر تكنى الطلا‏.‏‏.‏‏.‏ كما الذئب يكنى أبا جعدة حدثنا سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني عبيد الله بن موسى عن سعد بن أوس عن بلال بن يحيى عن أبي بكر بن حفص عن بن محيريز بن السمط عن عبادة بن الصامت قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ليستحلن آخر أمتي الخمر باسم يسمونها‏.‏

وحدثني سعيد قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني أبو بكر قال حدثني زيد بن الحباب عن معاوية بن صالح قال حدثني حاتم بن حريث عن مالك بن أبي مريم قال تذاكرنا الطلاء فدخل علينا عبد الرحمن بن غنم فذاكرناه فقال حدثني أبو مالك الأشعري أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا يشرب ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يضرب على رؤوسهم بالمعازف والقينات يخسف الله عز وجل بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير قال أبو عمر الدليل على صحة ما تأولناه في قول عبادة أنه لم يرد ذلك النوع من الطلاء لأني لا أعلم خلافا بين الفقهاء في جواز شرب العصير إذا طبخ وذهب ثلثاه وبقي ثلثه والكثير يقول إنه لا يسكر الكثير منه وإن أسكر منه الكثير فالأصل ما قدمت لك في الخمر قليلها وكثيرها واختلافهم إنما هو في غيرها ألا ترى إلى حديث عمر - رضي الله عنه - في هذا الباب إنما قال القائل نصنع لك من هذا الشراب شرابا لا يسكر فعلى هذا الشرط أباح لهم ذلك الطلاء وهو لا يسكر أبدا وهو الرب عندنا وفي خبر عمر هذا دليل على أن كل ما صنع من العصير وبالعصير فحال بينه وبين أن يسكر فهو حلال لا بأس به والله عز وجل أعلم ذكر أبو بكر قال حدثني علي بن مسهر عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس أن أبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وأبا طلحة كانوا يشربون من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه قال‏.‏

وحدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن داود بن أبي هند قال سألت سعيد بن المسيب عن الشراب الذي كان عمر بن الخطاب أحله للناس فقال هو الطلاء الذي ذهب ثلثاه وبقي ثلثه قال‏.‏

وحدثني وكيع عن الأعمش عن ميمون عن أم الدرداء قالت إني كنت أطبخ لأبي الدرداء الطلاء حتى يذهب ثلثاه ويبقي ثلثه فيشربه وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه كان يرزق الناس من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني بن فضيل عن عطاء بن السائب عن عبد الرحمن قال كان علي - رضي الله عنه - يرزقنا الطلاء فقلت ما هيئته قال أسود يأخذه أحدنا بأصبعه قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه واختلفوا في النصف فكرهه سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة وروي عن أبي أمامة الباهلي كراهية النصف وجماعة من العلماء ورويت الرخصة في شرب النصف بالطبخ من العصير وعن البراء بن عازب وأبي جحيفة وأنس بن مالك وبن الحنفية وجرير بن عبد الله البجلي وشريح وعبد الرحمن بن أبزى والحكم بن عيينة وقيس بن أبي حازم وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وإبراهيم النخعي ويحيى بن دثار وسعيد بن جبير وغيرهم ومعلوم أن أحدا منهم لا يشرب من ذلك ما يسكر لأنهم قد أجمعوا أن قليل الخمر وكثيرها حرام وقد قال بن عباس إن النار لا تحل شيئا ولا تحرمه فدل ذلك على أن المنصف لا يسكر كثيره وهذا بين واضح لكل ذي لب وفهم إلا أن المنصف قد كرهه قوم كما ذكرنا وذلك -والله أعلم- لما خافوا منه فتورعوا عنه وقد حمد الناس التارك لما ليس به بأس كمخافة اليأس وبالله التوفيق‏.‏

1574- مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رجالا من أهل العراق قالوا له يا أبا عبد الرحمن إنا نبتاع من ثمر النخل والعنب فنعصره خمرا فنبيعها فقال عبد الله بن عمر إني أشهد الله عليكم وملائكته ومن سمع من الجن والإنس أني لا آمركم أن تبيعوها ولا تبتاعوا ولا تعصرها ولا تشربوها ولا تسقوها فإنها رجس من عمل الشيطان قال أبو عمر مثل هذا القول لا يكون منه إلا وعنده من الله عز وجل ورسوله عليه السلام معناه حدثني أحمد بن قاسم وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني الحارث بن أبي أسامة قال حدثني يحيى بن هاشم قال حدثني بن أبي ليلى عن حبيب بن أبي ثابت عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال الخمر حرام وبيعها حرام وثمنها حرام حدثني سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان قالا حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني محمد بن وضاح قال حدثني أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني عبد العزيز بن عمر عن عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي وأبي طعمة مولاهم سمعا بن عمر يقول قال رسول الله لعنت الخمر على عشرة وجوه لعنت الخمر بعينها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وساقيها وشاربها حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم قال حدثني محمد قال حدثني محمد قال حدثني سحنون قال أخبرنا بن وهب قال أخبرنا مالك بن الخير الزنادي أن مالك بن سعد التجيبي حدثه أنه سمع عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فقال يا محمد إن الله تعالى لعن الخمر وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه وشاربها وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها ‏(‏43كتاب العقول‏)‏‏.‏

باب ذكر العقول

1575- مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم في العقول أن في النفس مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعي جدعا مائة من الإبل وفي المأمومة ثلث الدية مائة وفي الجائفة مثلها وفي العين خمسون وفي اليد خمسون وفي الرجل خمسون وفي كل أصبع مما هنالك عشر من الإبل وفي السن خمس وفي الموضحة خمس قال أبو عمر نذكر هنا حديث عمرو بن حزم ونذكر الدية وما فيها للعلماء في الباب بعد هذا ولا خلاف بين العلماء في أن الأنف إذا أوعي جدعا الدية كاملة وكذلك لا خلاف بينهم في دية اليد والرجل والعين إذا أصيبت من ذي عينين ولا في الأصابع إلا الإبهام ولكنه اختلف في حكم بعضه وكذلك المأمومة والجائفة لا خلاف في أن في كل واحد منهما ثلث الدية واختلف في الأسنان ونذكر ما فيه اختلاف لأحد من سلف العلماء أو خلفهم في بابه من كتابنا هذا إن شاء الله عز وجل وفي إجماع العلماء في كل مصر على معاني ما في حديث عمرو بن حزم دليل واضح على صحة الحديث وأنه يستغني عن الإسناد لشهرته عند علماء ‏(‏أهل‏)‏ المدينة وغيرهم وقد روى بن وهب عن مالك والليث عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه احتج بكتاب عمرو بن حزم في دية الأصابع عشر عشر وقد رواه معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وذكر ما ذكر فيه مالك سواء وقد روي من حديث الزهري أيضا مسندا حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني أحمد بن زهير ‏(‏بن حرب‏)‏ ومحمد بن سليمان المنقري قالا حدثنا الحكم بن موسى قال حدثني يحيى بن حمزة قال حدثني سليمان بن داود وزاد المنقري الجزري - قال حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلى أهل اليمن بكتاب فيه الفرائض والسنن والديات وبعث به مع عمرو بن حزم فقدم به على أهل اليمن وهذه نسخته بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى شرحبيل بن عبد كلال والحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال - قبل ذي رعين ومعافر وهمدان - أما بعد‏)‏ فذكر الحديث بطوله في الصدقات إلى آخرها وفيه من اعتبط مؤمنا قتلا عن غير بينة فإنه قود إلا أن يرضى أولياء المقتول وفي النفس الدية مائة من الإبل وفي الأنف إذا أوعي جدعا الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي الجائفة ثلث الدية وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار‏)‏ وذكر تمام الحديث‏.‏

باب العمل في الدية

1576- مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قوم الدية على أهل القرى فجعلها على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم قال مالك فأهل الذهب أهل الشام وأهل مصر وأهل الورق أهل العراق‏.‏

1577- قال مالك وسمعت أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين قال مالك والثلاث أحب ما سمعت إلى في ذلك قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا من أهل الورق الذهب قال أبو عمر اختلف عن عمر - رضي الله عنه - في تقويم الدية فروى أهل الحجاز عنه أنه ‏(‏قومها كما ذكر مالك عنه اثني عشر ألف درهم من الورق وروى أهل العراق عنه أنه‏)‏ قومها - وبعضهم يقول جعلها عشرة آلاف درهم وروى بن المبارك وعبد الرزاق عن معمر عن عمرو بن عبد الله عن عكرمة أن عمر بن الخطاب قضى بالدية على أهل القرى اثني عشر ألف درهم وروى هشيم عن يونس عن الحسن أن عمر بن الخطاب قوم الإبل في الدية مائة من الإبل وقوم كل بعير بمائة وعشرين درهما اثني عشر ألف درهم‏.‏

وأما رواية أهل العراق في ذلك عن عمر فروى وكيع عن بن أبي ليلى أنه حدثه عن الشعبي عن عبيدة السلماني قالا وضع عمر الديات فوضع على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق عشرة ألاف درهم وعلى أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة مسنة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال أبو عمر لم تختلف الروايات عن عمر في الذهب أن الدية منه ألف دينار ولا اختلف فيه العلماء قديما ولا حديثا وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في كتاب عمرو بن حزم وقد جاء عن عمرو بن شعيب خلاف ذلك ولا يصح وسنذكره إن شاء الله عز وجل‏.‏

وأما الورق فلا اختلاف في مبلغ الدية منه قديما وحديثا وليس لأهل العراق فيه شيء غير ما ذكروا عن عمر مع أهل الحجاز فيه آثار عن النبي صلى الله عليه وسلم رواه سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة قال قضى النبي صلى الله عليه وسلم لرجل من الأنصار قتله مولى لبني عدي بالدية اثني عشر ألف درهم وفيهم نزلت ‏(‏وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله‏)‏ ‏[‏التوبة 74‏]‏‏.‏

وقد روى هذا الحديث محمد بن مسلم الطائفي وأسنده عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بالدية في الخطأ اثني عشر ألف درهم وروى عثمان بن عفان ‏(‏وعلي بن أبي طالب‏)‏ وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - الدية من الورق اثني عشر ألف درهم وروى وكيع عن سفيان عن أيوب بن موسى عن مكحول عن عمر مثله وهو مذهب الحجازيين وروايتهم عن عمر‏.‏

وقال مالك وأبو حنيفة والليث بن سعد لا يأخذ في الدية إلا الإبل والذهب أو الورق لا غير وهو أحد قولي الشافعي وقال أبو يوسف ومحمد يأخذ أيضا في الدية البقر والشاء والحلل على ما روي عن عمر بن الخطاب ‏(‏رضي الله عنه‏)‏ وهو قول الفقهاء السبعة المدنيين وذكر أبو بكر بن أبي شيبة عن ‏(‏عبد الرحيم بن سليمان عن محمد بن إسحاق عن عطاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع الدية على الناس في أموالهم ما كانت على أهل الإبل مائة بعير وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل البرود مائتي حلة وهو قول عطاء والزهري وقتادة‏.‏

وأخبرنا عبد الله ‏(‏قال حدثني محمد قال حدثني أبو داود قال‏)‏ حدثني سعيد بن يعقوب قال حدثني أبو تميلة قال حدثني محمد بن إسحاق قال ذكر عطاء عن جابر قال فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الدية على أهل الإبل فذكر مثل حديث بن أبي شيبة‏.‏

وقال الشافعي بمصر لا يأخذ من الذهب ولا من الورق إلا قيمة الإبل بالغا ما بلغت وقوله بالعراق مثل قول مالك وذكر المزني عن الشافعي أنه قال العلم محيط لأن تقويم عمر الإبل إنما قومها بقيمة يومها فاتباع عمر أن تقوم الإبل بالغا ما بلغت إذا وجبت فأعوزت لأن تقويمه لم يكن إلا للإعواز لأنه لا يكلف القروي إبلا كما لا يكلف الإعرابي ذهبا ولا ورقا لأنه لا يجدها كما لا يجد الحضري الإبل قال ولا تقوم إلا بالدنانير والدراهم دون الشاء والبقر فلو جاز أن تقوم بالشاء والبقر والحلل قوماها على أهل الخيل بالخيل وعلى أهل الطعام بالطعام وهذا لا يقوله أحد قال المزني قد كان قوله القديم على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم من غير مراعاة لقيمة الإبل ورجوعه عن القديم إلى ما قاله في الجديد أشبه بالسنة ذكر أبو بكر قال حدثني أبو أسامة عن محمد بن عمرو قال كتب عمر بن عبد العزيز إلى أمراء الأجناد إن الدية كانت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير قال فإن كان الذي أصابه الأعرابي فديته من الإبل لا يكلف الأعرابي الذهب ولا الورق فإن لم يجد الأعرابي مائة من الإبل فعدلها من الشاء ألفي شاة وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال الدية مائة من الإبل وقيمتها من غيرها وروى حفص بن غياث ‏(‏عن أشعث عن الحسن‏)‏ أن عمر وعثمان رضي الله عنهما قوما الدية وجعلا ذلك إلى المعطي إن شاء كانت الدية الإبل بالإبل وإن شاء فالقيمة وذكر عبد الرزاق عن بن جريج عن عطاء قال كانت الدية الإبل حتى كان عمر بن الخطاب فجعلها لما غلت الإبل كل بعير بمائة وعشرين درهما حدثنا عبد الله بن محمد قال حدثني محمد قال حدثنا أبو داود قال حدثني يحيى بن حكيم قال حدثني عبد الرحمن بن عثمان قال حدثني حسين المعلم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين قال فكان ذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال ألا إن الإبل قد غلت ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألف درهم وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفع فيها فيما رفع من الدية قال أبو عمر هذا الحديث يرويه غير حسين المعلم عن عمرو بن شعيب لا يتجاوزه به ‏(‏لا يقول فيه‏)‏ عن أبيه عن جده على أن للناس في حديثه عن أبيه عن جده اختلافا منهم من لا يقبله لأنه صحيفة عندهم لا سماع ومنهم من يقبله وروى معمر عن الزهري قال كانت الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة بعير لكل بعير أوقية فذلك أربعة آلاف فلما كان عمر غلت الإبل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقية ونصفا ثم غلت الإبل ورخصت الورق فجعلها عمر أوقيتين وذلك ثمانية آلاف ثم لم تزل الإبل تغلو وترخص حتى جعلها عمر اثني عشر ألفا أو ألف دينار ومن البقر مائتي بقرة ومن الشاء ألفي شاة قال عبد الرزاق كل بعير ببقرتين مسنتين قال أبو عمر الحجة لمالك ومن قال بقوله أن الدية من الذهب ألف دينار ومن الورق اثنا عشر ألف درهم أو عشرة آلاف على ما رواه أهل العراق عن عمر وأن ما فرضه عمر من ذلك أصل لا بدل من الإبل لأن عمر جعله في ثلاث سنين فلو كانت بدلا لكانت دينا بدين فثبت أنها ديات في أنفسها‏.‏

وأما قول مالك في هذا الباب أنه سمع أن الدية تقطع في ثلاث سنين أو أربع سنين قال مالك والثلاث أحب ما سمعت إلي في ذلك قال أبو عمر هذا ما لا خلاف فيه بين العلماء أن الدية في الخطأ على العاقلة في ثلاث سنين على ما ورد عن عمر رضي الله عنه والذي سمع مالك في أربع سنين شذوذ والجمهور على ثلاث سنين روى المعرور بن سويد عن عمر قال الدية في ثلاث سنين وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحيم بن سليمان عن الأشعث عن الشعبي وعن الحكم عن إبراهيم قالا أول من فرض العطاء عمر بن الخطاب وفرض فيه الدية كاملة في ثلاث سنين وثلثي الدية في سنتين ‏(‏والنصف أيضا في سنتين‏)‏ والثلث في سنة قال‏.‏

وحدثني أبو بكر بن عياش ‏(‏عن مغيرة‏)‏ عن إبراهيم مثله قال‏.‏

وحدثني محمد بن يزيد عن ‏(‏أيوب‏)‏ أبي العلاء عن قتادة وأبي هاشم قالا الدية في ثلاث سنين وثلثاها ونصفها في سنتين والثلث في سنة قال‏.‏

وحدثني وكيع عن حريث عن الشعبي قال الدية في ثلاث سنين في كل سنة ثلث وذكر عبد الرزاق عن الثورى عن أشعث عن الشعبي أن عمر جعل الدية في الأعطية في ثلاث سنين والنصف والثلثين في سنتين والثلث في سنة وما دون الثلث فهو من عامه‏.‏

وأخبرنا الثوري عن أيوب بن موسى عن مكحول أن عمر جعل الدية فذكر مثله سواء قال‏.‏

وأخبرنا بن جريج قال أخبرت عن أبي وائل عن عمر مثله قال معمر وسمعت عبيد الله بن عمر يقول تؤخذ الدية في ثلاث سنين قال أبو عمر إنما هذا كله في دية الخطأ الواجبة بالسنة على العاقلة‏.‏

وأما دية العمد إذا قبلت ففي مال الجاني عند مالك وغيره ورأى مالك أن نصف الدية يجتهد فيها الإمام في سنتين ونصف وثلاثة أرباع الدية عنده في ثلاث سنين قال أبو عمر إنما قال مالك إنه لا يقبل من أهل القرى في الدية الإبل ولا من أهل العمود الذهب ولا الورق ولا من أهل الذهب الورق ولا من أهل الورق الذهب لأنه لو كان دخله فالدين بالدين لأن أصل الدية عنده ذهب على أهل الذهب وورق على أهل الورق وإبل على أهل الأبل لأنها بدل من الإبل على ما وصفنا وبالله التوفيق‏.‏

باب ما جاء في دية العمد إذا قبلت وجناية المجنون

1578- مالك أن بن شهاب كان يقول في دية العمد إذا قبلت خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة قال أبو عمر ليس عند مالك في قتل العمد دية معلومة وإنما فيه القود إلا في عهد الرجل إلى ابنه بالضرب والأدب في حين الغضب كما صنع المدلجي بابنه فإن فيه عنده الدية المغلظة ولا قود وسنذكر ذلك في ما بعد إن شاء الله عز وجل فإن اصطلح القاتل عمدا وولي المقتول على الدية وأبهموا ذلك ولم يذكروا شيئا من ذلك بعينه أو عفي عن القاتل عمدا على الدية هكذا وكان من أهل الإبل فإن الدية تكون عليه حينئذ حالة في ماله أرباعا كما قال بن شهاب خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وإن كان من أهل الذهب فألف دينار وإن كان من أهل الورق فاثنا عشر ألف درهم حالة في ماله لا يزاد على ذلك ولا ينقص منه إلا أن يصطلحا على شيء فيلزمهما ما اصطلحا عليه وقد روي عن مالك أن الدية في العمد إذا قبلت تكون مؤجلة كدية الخطأ في ثلاثه سنين والأول قول بن القاسم وروايته وهو تحصيل المذهب والدية في مذهب مالك ثلاث إحداها دية العمد إذا قبلت أرباعا وهي كما وصفنا وهو قول بن شهاب وربيعة والثانية دية الخطأ أخماسا وسيأتي ذكرها - كما وصفنا - في بابها إن شاء الله عز وجل والثالثة الدية المغلظة أثلاثا ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهي الحوامل وليست عنده إلا في قتل الرجل ابنه على الوصف الذي ذكرنا‏.‏

وأما لو أضجع الرجل ابنه فذبحه أو جلله بالسيف أو أثر الضرب عليه بالعصا أو غيرها حتى قتله عامدا فإنه يقتل عنده به وستأتي هذه المسألة وما للعلماء فيها في موضعها من هذا الكتاب إن شاء الله عز وجل وليس يعرف مالك شبه العمد إلا في الأب يفعل بابنه ما وصفنا خاصة وإنما تجب الدية المغلظة المذكورة من الإبل على الأب إذا كان من أهل الإبل فإن كان من أهل الأمصار فالذهب أو الورق واختلف قوله في تغليظ دية الذهب والورق في ذلك فروي عنه أن تغليظها أن تقوم الثلاثون حقة والثلاثون جذعة والأربعون الخلفة بالدنانير أو الدراهم بالغا ما بلغت وإن زادت على ألف دينار أو اثني عشر ألف درهم وروي عنه أن التغليظ في ذلك أن ينظر إلى قيمة دية الخطأ أخماسا في أسنان الإبل ثم ينظر إذا ما زادت قيمة دية التغليظ من الإبل على قيمة دية الخطأ فيزاد مثل ذلك من الذهب والورق وهذا مذهب بن القاسم وروي عنه أيضا أنها تغلظ بأن تبلغ دية وثلثا يزاد في الدية ثلثها رواه أهل المدينة عنه وقد روي عن مالك أن الدية لا تغلظ على أهل الذهب ولا على أهل الورق وإنما تغلظ في الإبل خاصة على أهل الإبل قال أبو عمر روى سفيان عن معمر عن رجل عن عكرمة قال ليس في دية الدنانير والدراهم مغلظة إنما المغلظة في الإبل خاصة على أهل الإبل وروى بن المبارك عن أبي حنيفة عن حماد عن إبراهيم قال لا يكون التغليظ في شيء من الدية إلا في الإبل والتغليظ في إناث الإبل‏.‏

وأما الشافعي فالدية عنده اثنتان لا ثالثة لهما مخففة ومغلظة فالمخففة دية الخطأ أخماسا والمغلظة في شبه العمد وفي ما لا قصاص فيه كالأب ومن جرى مجراه عنده وفي العمد إذا قبلت الدية فيه وعفي عن القاتل عليها وهي ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وهو قول سفيان ومحمد بن الحسن في أسنان دية شبه العمد وهذه الأسنان في ذلك مذهب عمر بن الخطاب وأبي موسى الأشعري والمغيرة بن شعبة وزيد بن ثابت على اختلاف عنه وبه قال عطاء وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم ما دل على ذلك ذكر أبو بكر قال حدثني وكيع قال حدثني سفيان عن بن أبي نجيح عن مجاهد عن عمر أنه قال في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى باذل عامها كلها خلفة قال‏.‏

وحدثني جرير عن مغيرة عن الشعبي قال كان أبو موسى والمغيرة يقولان في الدية المغلظة ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة قال‏.‏

وحدثني وكيع قال حدثني بن أبي خالد عن عامر الشعبي قال كان زيد بن ثابت يقول في شبه العمد ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وأربعون خلفة ما بين ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة‏.‏

وأما الحديث المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ألا إن قتيل الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط والعصا والحجر ديته مغلظة مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها فهو حديث مضطرب لا يثبت من جهة الإسناد رواه بن عيينة عن علي بن زيد عن القاسم بن ربيعة عن بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم ورواه سفيان الثوري وهشيم عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورواه حماد بن زيد عن خالد الحذاء عن القاسم بن ربيعة عن عقبة بن أوس عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم والقاسم بن ربيعة بن جوشن الغطفاني ثقة بصري يروي عن عمر وعبد الرحمن بن عوف وبن عمر وروى عنه أيوب وقتادة وحميد الطويل وعلي بن زيد‏.‏

وأما عقبة بن أوس فرجل مجهول لم يرو عنه إلا القاسم بن ربيعة فيما علمت يقال فيه الدوسي ويقال فيه السدوسي وقد قيل فيه يعقوب بن أوس وقال يحيى بن معين عقبة بن أوس هو يعقوب بن أوس‏.‏

وأما أبو حنيفة وأصحابه فليس في العمد عندهم دية فإن اصطلح القاتل وولي المقتول على شيء فهو حال إلا أن يشترطوا أجلا والديات عندهم اثنتان دية الخطأ أخماسا على ما يأتي ذكره في بابه بعد هذا لم يختلفوا فيها ودية شبه العمد عند أبي حنيفة وأبي يوسف تكون أرباعا خمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وهو مذهب عبد الله بن مسعود ذكره وكيع قال‏.‏

وحدثني بن أبي خالد عن عامر قال كان بن مسعود يقول في شبه العمد أرباعا فذكر ما تقدم وقال أبو بكر حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود بن عبد الله قال شبه العمد أرباعا خمس وعشرون حقه وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون‏.‏

وأما محمد بن الحسن فذهب إلى ما روى عن عمر وأبي موسى وزيد والمغيرة وقد تقدم ذكره‏.‏

وأما أحمد بن حنبل فقال دية الحر المسلم مائة من الإبل فإن كان القتل عمدا وارتفع القصاص أو قبلت الدية فهي في مال القاتل حالة أرباعا خمس وعشرون بنت مخاض وخمس وعشرون بنت لبون وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة قال وإن كان القتل شبه العمد فكما وصفنا في أسنان الإبل قال وهي على العاقلة في ثلاث سنين في كل سنة ثلثها ذهب في ذلك مذهب بن مسعود وهذا يدل على أنه لم يصح عنده الحديث المرفوع لما ذكرنا فيه من الاضطراب وجهل عقبة بن أوس - والله الموفق للصواب‏.‏

وأما أبو ثور فقال الدية في العمد الذي لا قصاص فيه أو عفي عن القاتل علي الدية وفي شبه العمد كل ذلك كدية الخطأ أخماسا أنه بدل لأنه أقل ما قيل فيه وقال عامر الشعبي وإبراهيم النخعي دية شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون خلفة من ثنية إلى بازل عامها وهو مذهب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ذكر أبو بكر قال حدثني أبو الأحوص عن إبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال في شبه العمد ثلاث وثلاثون حقة وثلاث وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة وروى الثوري وغيره عن أبي إسحاق مثله وقال الحسن البصري وبن شهاب الزهري وطاوس اليماني دية شبه العمد ثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وأربعون خلفة وهذا مذهب عثمان بن عفان رضي الله عنه ورواية عن زيد بن ثابت ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض أن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنت لبون وقال معمر عن الزهري إن الدية التي غلظها النبي صلى الله عليه وسلم هكذا وذكر طاوس أن ذلك عنده في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم فهذا ما بلغنا في أسنان دية العمد وأسنان دية شبه العمد وسنذكرها عن الفقهاء وأئمة الفتوى فهي صفة شبه العمد وكيفيته ومن نفاه منهم ومن أثبته فيه في باب ما يجب فيه العمد من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى ويأتي ما للعلماء في دية الخطأ في الباب بعد هذا بعون الله تعالى وإنما ذكرنا في هذا الباب شبه العمد مع دية العمد إذا قبلت لأن مذاهب أكثر العلماء في ذلك متقاربة متداخلة وجمهورهم يجعلها سواء وقد أتينا في ذلك بالروايات عن السلف وما ذهب إليه من ذلك أئمة الأمصار والحمد لله كثيرا وقد اختلف العلماء في أخذ الدية من قاتل العمد فقال مالك في رواية بن القاسم عنه - وهو الأشهر من مذهبه - وأبو حنيفة والثوري وأصحابه وبن شبرمة والحسن بن حي ليس لولي المقتول عمدا إلا القصاص ولا يأخذ الدية إلا برضى القاتل وقال الأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وهو قول ربيعة وأكثر فقهاء المدينة من أصحاب مالك وغيرهم وروى أشهب عن مالك ولي المقتول بالخيار إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية رضي القاتل أو لم يرض وذكر بن عبد الحكم الروايتين جميعا عن مالك وحجة من لم ير لولي المقتول إلا القصاص حديث أنس في قصة سن الربيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كتاب الله القصاص وحجة من أوجب له التخيير بين القصاص وأخذ الدية حديث أبي شريح الكعبي وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال من قتل له قتيل فهو بين خيرتين وقال أبو هريرة بخير نظرين بين أن يأخذ وبين أن يعفو وهما حديثان لا يختلف أهل العلم بالحديث في صحتهما حدثني عبد الوارث قال حدثني قاسم قال حدثني بكر بن حماد قال حدثني مسدد قال حدثني يحيى بن سعيد قال حدثني بن أبي ذئب قال حدثني سعيد بن أبي سعيد قال سمعت أبا شريح ‏(‏الكعبي‏)‏ يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إنكم معشر خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله فمن قتل له بعد مقالتي هذه قتيل فهو بالخيار بين خيرتين بين أن يأخذ العقل وبين أن يقتل وحديث أبي هريرة عند يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة رواه جماعة أصحاب يحيى عنه وقد ذكرنا طرق الحديثين في مسألة أفردنا لها جزءا في معنى قول الله عز وجل ‏(‏فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف‏)‏ البقرة 178‏.‏

1579- مالك عن يحيى بن سعيد أن مروان بن الحكم كتب إلى معاوية بن أبي سفيان أنه أتي بمجنون قتل رجلا فكتب إليه معاوية أن اعقله ولا تقد منه فإنه ليس على مجنون قود قال أبو عمر قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في رفع القصاص عن المجنون إذا كان مطبقا لا يفيق ما فيه رجاء من الشفاء حدثني عبد الوارث بن سفيان قال حدثني قاسم بن أصبغ قال حدثني حمدون بن أحمد بن سلمة قال حدثني شيبان بن يحيى بن فروخ قال حدثني حماد بن سلمة قال حدثني حماد بن أبي سليمان عن الأسود عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الغلام حتى يحتلم وعن المجنون حتى يفيق وأجمع العلماء أن ما جناه المجنون في حال جنونه هدر وأنه لا قود عليه في ما يجني فإن كان يفيق أحيانا ويغيب أحيانا فما جناه في حال إفاقته ‏(‏فعليه‏)‏ فيه ما على غيره من البالغين غير المجانين وأجمع العلماء أن الغلام والنائم لا يسقط عنهما ما أتلفا من الأموال وإنما يسقط عنهم الإثم‏.‏

وأما الأموال فتضمن بالخطأ كما تضمن بالعمد والمجنون عند أكثر العلماء مثلهما فدل ذلك على أن الحديث وإن كان عام المخرج فإنه مخصوص بما وصفنا روى معمر عن الزهري قال مضت السنة أن عمد الصبي والمجنون خطأ قاله معمر وقاله قتادة أيضا قال معمر وقال الزهري وقتادة إن كان المجنون لا يعقل فقتل إنسانا فالدية على العاقلة لأن عمده خطأ وإن كان يعقل فالقود وقاله الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري وروي ذلك عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه من حديث حسين بن عبد الله بن ضمرة عن أبيه عن جده عن علي والإسناد ليس بقوي وذكر أبو بكر قال حدثني عبد الرحمن بن مهدي عن حماد بن سلمة عن يحيى بن سعيد عن عمر بن عبد العزيز أنه جعل جناية المجنون على العاقلة قال‏.‏

وحدثني حفص عن أشعث عن الشعبي قال ما أصاب المجنون في حال جنونه فعلى عاقلته وما أصاب في حال إفاقته أقيد منه قال أبو عمر على هذا مذهب مالك وأبي حنيفة وأصحابهما والأوزاعي والليث بن سعد في قتل الصبي عمدا أو خطأ أنه كله خطأ تحمل منه العاقلة ما تحمل من خطأ الكبير‏.‏

وقال الشافعي عمد الصبي في ماله قال أبو عمر يحتج لقول الشافعي بما قاله بن عباس وغيره العاقلة لا تحمل عمدا يريدون العمد الذي لا قود فيه كعمد الصبي وما أشبهه مما لا قصاص فيه قال مالك في الكبير والصغير إذا قتلا رجلا جميعا عمدا أن على الكبير أن يقتل وعلى الصغير نصف الدية قال مالك وكذلك الحر والعبد يقتلان العبد فيقتل العبد ويكون على الحر نصف قيمته قال أبو عمر قول الشافعي في هذه المسألة كقول مالك إلا أن الشافعي يجعل نصف الدية على الصغير في ماله كما أن على الحر نصف قيمة العبد في ماله لأن العاقلة لا تحمل عمدا ولا عبدا وقول مالك إن ذلك على عاقلة الصبي لأن عمده خطأ والسنة أن تحمل العاقلة دية الخطأ قال الشافعي إذا قتل رجل مع صبي رجلا قتل الرجل وعلى الصبي نصف الدية في ماله وكذلك الحر والعبد إذا قتلا عبدا عمدا والمسلم والذمي إذا قتلا ذميا قال فإن شرك العامد قاتل خطأ فعلى العامد نصف الدية في ماله وجناية المخطئ على عاقلته قال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إذا اشترك صبي ورجل أو مجنون وصحيح أو قاتل عمد وقاتل خطأ في قتل رجل فلا قصاص على واحد منهما وعلى عاقلة الصبي الدية وهي على الرجل العامد في ماله وفي المخطئ على عاقلته قالوا وكذلك إذا اشترك الأب والأجنبي في قتل العمد فالدية في أموالهما ولو كان قتلهما خطأ كانت الدية على عاقلتهما ولو كان أحدهما أو أحد الأجنبيين عامدا والآخر مخطئا كان نصف الدية في مال العامد والنصف على عاقلة المخطئ ولا قود على واحد منهما وقد تقدم قولهم في الصبي والمجنون أن عمدهما خطأ أبدا على عواقلهما وقول زفر في هذا الباب كقول مالك يقتل العامد البالغ ويغرم الأب أو المخطئ نصف الدية وهي على عاقلة المخطئ واحتج الشافعي على محمد بن الحسن في منع القود من العامد إذا شركه صبي أو مجنون فقال إن كنت رفعت عنهما القتل لأن القلم عنهما مرفوع وأن عمدهما خطأ فقد تركت أصلك في الأب يشترك مع الأجنبي في قتل العمد لأن القلم عن الأب ليس بمرفوع يقول فقد حكمت فيه بحكم من رفع عنه القلم وقال الأوزاعي في الصبي والرجل يشتركان في قتل الرجل أنه لا قود عليهما وأن الدية على عواقلهما قال أبو عمر القياس في هذا الباب أن يكون كل واحد منهما محكوما عليه بحكم نفسه دون غيره كأنه انفرد بالقتل وهو قول مالك والشافعي وزفر وبالله التوفيق وفي المسألة أيضا غير ما تقدم في الدية وروى معمر عن الزهري قال إذا اجتمع رجل وغلام على قتل رجل قتل الرجل وعلى عاقلة الغلام الدية كاملة وقال حماد يقتل الرجل وعلى عاقلة الصبي نصف الدية وقال الحسن وإبراهيم إذا اجتمع صبي أو معتوه أو من لا يقاد منه مع من يقاد منه في القتل فهي دية كلها‏.‏

باب دية الخطأ في القتل

1580- مالك عن بن شهاب عن عراك بن مالك وسليمان بن يسار أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئ على إصبع رجل من جهينة فنزي منها فمات فقال عمر بن الخطاب للذي ادعي عليهم أتحلفون بالله خمسين يمينا ما مات منها فأبوا وتحرجوا وقال للاخرين أتحلفون أنتم فأبوا فقضى عمر بن الخطاب بشطر الدية على السعديين قال مالك وليس العمل على هذا قال أبو عمر إنما قال مالك في هذا الحديث إن العمل ليس عنده عليه لأن فيه تبدئة المدعى عليه بالدم بالأيمان وذلك خلاف السنة التي رواها وذكرها في كتابه الموطأ في الحادثين من الأنصار المدعين على يهود خيبر قتل وليهم لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأ المدعين الحادثين بالأيمان في ذلك وسنبين اختلاف الآثار واختلاف علماء الأمصار فيمن يبدأ بالقسامة بالأيمان في كتاب القسامة مع سائر أحكام القسامة إن شاء الله تعالى وفي حديث عمر أيضا أنه قضى بشطر الدية على السعديين وذلك أيضا خلاف السنة المذكورة في حديث الحارثين لأنه لم يقض فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم على أحد بشيء إذ أبى المدعون والمدعى عليهم من الأيمان وتبرع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية كلها من قبل نفسه لئلا يكون ذلك الدم باطلا والله أعلم وفي قول الله تعالى ‏(‏ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله‏)‏ ‏[‏النساء 92‏]‏‏.‏

ما يغني عن حديث عمر وغيره وأجمع العلماء أن دية الخطأ في النفس حكم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم على عاقلة القاتل مئة من الإبل وجعلها عمر على أهل الذهب والورق كما تقدم ذكره عنه من اختلاف الرواية ولم يختلف أنها على العاقلة في ثلاث سنين واختلفوا في أسنان الإبل فيها على ما نورده في هذا الباب إن شاء الله عز وجل‏.‏

1581- مالك أن بن شهاب وسليمان بن يسار وربيعة بن أبي عبد الرحمن كانوا يقولون دية الخطأ عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بن لبون ذكرا وعشرون حقة وعشرون جذعة قال أبو عمر هكذا رواه بن جريج عن بن شهاب كما رواه مالك ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال قال لي بن شهاب عقل الخطأ خمسة أخماس عشرون ابنة لبون وعشرون ابنة مخاض وعشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بن لبون ورواه معمر عن الزهري بخلاف ذلك على ما نذكره بعد هذا إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء في أسنان الإبل في دية الخطأ فقال مالك والشافعي بما روي عن سليمان بن يسار وبن شهاب وربيعة مثل ذلك فقالوا الدية في ذلك أخماس عشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون بن لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وكذلك قال أبو حنيفة وأصحابه الدية في الخطأ لا تكون إلا أخماسا كما قال مالك والشافعي إلا أنهم جعلوا مكان بن لبون بن مخاض فقالوا عشرون بنت مخاض وعشرون بن مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون حقة وعشرون جذعة وقد روى زيد بن جبير عن خشف بن مالك عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل الدية في الخطأ أخماسا إلا أن هذا الحديث لم يرفعه إلا خشف بن مالك الكوفي الطائي وهو مجهول لأنه لم يرو عنه إلا زيد بن جبير وزيد بن جبير بن حرملة الطائي الجشمي من بني جشم أحد ثقات الكوفيين وإنما يروي هذا الحديث عن بن مسعود قوله وقد روي فيه عن بن مسعود الوجهات جميعا ما ذهب إليه الحجازيون وما ذهب إليه الكوفيون وروى وكيع وعبد الرزاق عن الثوري عن منصور عن إبراهيم أن بن مسعود قال دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بن مخاض وعشرون بنت لبون ووكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن علقمة عن عبد الله مثله فهذا هو الذي ذهب إليه الكوفيون أبو حنيفة وأصحابه والثوري وقد روى حديث بن مسعود هذا على ما ذهب إليه الحجازيون مالك والشافعي وذكر أبو بكر بن أبي شيبة قال حدثني أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن علقمة والأسود قالا كان عبد الله يقول في دية الخطأ أخماس عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنات لبون وعشرون بني لبون وعشرون بنات مخاض قال أبو عمر الثوري أثبت من أبي الأحوص في أبي إسحاق وفي غيره وأبو الأحوص هذا سلام بن سليمان وفي هذه المسألة أقوال السلف غير هذه منها ما روي عن علي رضي الله عنه وذهب إليه جماعة من العلماء ذكر وكيع قال حدثني سفيان عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي قال‏.‏

وحدثني سفيان عن منصور عن إبراهيم عن علي أنه كان يقول في دية الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض وإلى هذا ذهب عطاء بن أبي رباح في دية الخطأ أرباعا إلا أنه جعل موضع بنات مخاض بني لبون ذكر عبد الرزاق أخبرنا بن جريج قال أخبرنا عطاء قال قال عطاء دية الخطأ مائة من الإبل خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات مخاض وخمس وعشرون بني لبون ذكور وإلى هذا ذهب عمر بن عبد العزيز جعل دية الخطأ أرباعا كقول علي سواء إلا أنه زاد فإن لم توجد بنات مخاض فبنو لبون وذكر أنه بلغه ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر بن جريج قال أخبرني عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز عن أبيه بذلك وكان عثمان بن عفان وزيد بن ثابت يذهبان إلى أن الدية في الخطأ تكون أرباعا كقول علي إلا أنهما خالفا في الأسنان ذكر أبو بكر قال حدثني عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن سعيد بن المسيب وعن عبد ربه عن أبي عياض عن عثمان وزيد قالا في الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون بنات لبون وعشرون بنات مخاض وعشرون بني لبون وإلى هذا ذهب بن شهاب الزهري في ما رواه معمر ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن الزهري قال دية الخطأ من الإبل ثلاثون حقة وثلاثون ابنة لبون وثلاثون بنات مخاض وعشرون بني لبون إلا أنه جعل في موضع الجذعة حقة وروى وكيع عن الحسن بن صالح عن بن أبي ليلي عن الشعبي عن زيد في دية الخطأ ثلاثون جذعة وثلاثون حقة وعشرون بنات مخاض وعشرون بني لبون وروى معمر عن بن طاوس عن أبيه قال دية الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بني لبون وثلاثون ابنة مخاض وعشرون بني لبون ذكور وروى معمر عن الزهري عن بن أبي نجيح عن مجاهد في دية الخطأ قال ثلاثون حقة وثلاثون جذعة وثلاثون ابنة لبون وعشرون بني لبون ذكور‏.‏

وقال أحمد بن حنبل دية الخطأ تؤخذ في ثلاث سنين أخماسا عشرين بنات مخاض وعشرين بني مخاض وعشرين بنات لبون وعشرين حقة وعشرين جذعة قال أبو عمر أكثر الفقهاء على أنها أخماس وكلهم يدعي التوقيف في ما ذهب إليه أصلا لا قياسا والذي أقول إن كل ما ذهب إليه السلف مما قد ذكرناه عنهم في هذا الباب جائز العمل به وكله مباح لا يضيق على قائله لأنهم قد أجمعوا أن الدية مائة من الإبل لا يزاد عليها وأنها الدية التي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بها ولا يضرهم الاختلاف في أسنانها واجبة إلى ما روي عن علي رضي الله عنه لأن ما روي فيه عن عمر منقطع لا يثبت وقد اختلف في الرواية عن بن مسعود ولم يختلف عن علي وبالله التوفيق قال مالك الأمر المجتمع عليه عندنا أنه لا قود بين الصبيان وإن عمدهم خطأ ما لم تجب عليهم الحدود ويبلغوا الحلم وإن قتل الصبي لا يكون إلا خطأ وذلك لو أن صبيا وكبيرا قتلا رجلا حرا خطأ كان على عاقلة كل واحد منهما نصف الدية قال أبو عمر أما قوله لا قود بين الصبيان فهو أمر مجتمع عليه لا خلاف بين العلماء فيه‏.‏

وأما قوله إن عمد الصبيان خطأ تلزمه العاقلة فإن الصبي إذا كان له قصد وعرف منه تمييز لما يتعمده فهذا الذي عمله خطأ لارتفاع القلم عنه في القصاص والحدود وسائر الفرائض‏.‏

وأما إذا كان طفلا في المهد أو مرضعا لا تمييز له ولا يصح منه قصد ولا تعمد فهو كالبهيمة المهملة التي جرحها جبار وهذا أصل مجتمع عليه ولا أعلم خلافا فيه إلا ما تقدم من مذهب الشافعي ومن قال بقوله في أن عمد الصبي في ماله لا تحمله العاقلة قال مالك ومن قتل خطأ فإنما عقله مال لا قود فيه وإنما هو كغيره من ماله يقضى به دينه ويجوز فيه وصيته فإن كان له مال تكون الدية قدر ثلثه ثم عفي عن ديته فذلك جائز له وإن لم يكن له مال غير ديته جاز له من ذلك الثلث إذا عفي عنه وأوصى به قال أبو عمر لا أعلم خلافا بين أهل العلم أن دية الخطأ كسائر مال المقتول يرثه عنه ورثته ذوو الفروض والعصبة إلا أن طائفة من أهل الظاهر شذت فلم أر لذكر ما أتت به وجها وقد كان عمر بن الخطاب يقول لا ترث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها وكان قتل أشيم خطأ فقضى به عمر والناس بعده لا يختلفون أن دية المقتول كسائر ماله تجوز فيه وصيته كما تجوز في ماله فإن لم يترك مالا غيرها لم يجز له من الوصية بها إلا ثلثها فإن عفي عنها فللعاقلة ثلثها ويغرمون الثلثين والعفو هنا كالوصية إذا لم يكن له مال غير ديته ولا يرث القاتل شيئا منها لأن العلماء مجمعون أن القاتل خطأ لا يرث من الدية شيئا كما أجمعوا أن القاتل عمدا لا يرث من المال ولا من الدية شيئا ذكر عبد الرزاق قال أخبرنا بن جريج قال سمعت عطاء يقول أن وهب الذي يقتل خطأ ديته للذي قتله فإنما له منها ثلثها إنما هو ماله فيوصي فيه قال‏.‏

وأخبرنا معمر عن سماك بن الفضل قال كتب عمر بن عبد العزيز إذا تصدق الرجل بديته وقتل خطأ ولم يكن له مال فالثلث من ذلك جائز إذا لم يكن له مال غيره قال أبو عمر هذا مجمله في من قتل خطأ ولم يكن له مال غير ديته ولو كان له مال غير ديته كان له أن يوصي بجميعها كما قال مالك‏.‏

وأما من قتل عمدا فله أن يعفو عن دمه وعن كل ما يجب له فيه كما له أن يصالح عليه بأكثر من الدية قال الله تعالى ‏(‏فمن تصدق به فهو كفارة له‏)‏ ‏[‏المائدة 45‏]‏‏.‏

ذكر عبد الرزاق عن معمر عن بن طاوس عن أبيه أنه قال إذا تصدق الرجل بدمه وكان قتل عمدا فهو جائز قال‏.‏

وأخبرنا الثوري عن يونس عن الحسن قال إذا كان عمدا فهو جائز وليس في الثلث قال عبد الرزاق وقال هشام عن الحسن إذا كان خطأ فهو في الثلث قال‏.‏

وأخبرنا بن جريج قال أخبرني بن طاوس عن أبيه أنه قال إذا أصيب رجل فتصدق بنفسه فهو جائز قال فقلنا له ثلثه فقال بل كله قال‏.‏

وأما اختلاف الفقهاء في الوصية للقاتل فروى بن القاسم عن مالك قال إذا ضربه عمدا أو خطأ فأوصى له المضروب ثم مات من ذلك جازت الوصية في ماله وفي ديته إذا علم بذلك منه ولو أوصى له بوصية ثم قتله الموصى له عمدا أو خطأ فالوصية لقاتل الخطأ تجوز في ماله ولا تجوز في ديته وقاتل العمد لا تجوز له وصية من المقتول في ماله ولا في ديته‏.‏

وقال أبو حنيفة والشافعي وأصحابهما والثوري لا تجوز وصية المقتول للقاتل وقال الطحاوي فإن أجازها الورثة جازت عند أبي حنيفة ومحمد ولم تجز عند أبي يوسف قال والقياس ما قاله أبو يوسف لأنه لما جعلها كالميراث في بطلانها في القتل وجب ألا تجوز بإجازة الورثة كما لا يجوز الميراث بإجازة الورثة قال ولا فرق بين الدية وسائر ماله لأن الجميع مال الميت موروث عنه قال ولا فرق أيضا بين أن تتقدم الجناية على الوصية أو تتأخر عنها لأن الوصية لو جازت كانت متعلقة بالموت وهذا قاتل بعد الموت فلا وصية له‏.‏

وقال الشافعي ولو عفا المجني عليه عمدا عن قود وعقل جاز فيما لزمه بالجناية ولم يجز في ما زاد لأن ذلك لم يجب بعد ولو قال قد عفوت عنها وعما يحدث منها من عقل وقود ثم مات فلا سبيل إلى القود للعفو وجاز ما عفى عنه في ثلث ماله قال وفيها قول آخر إن الخارج يؤخذ بجميع الجناية لأنها صارت نفسا قال ولا تجوز له وصية بحال وإلى هذا ذهب المزني قال أبو عمر قول مالك من قتل خطأ فإنما عقله مال لا قود فيه أمر مجتمع عليه لأن قتل الخطأ لا قود فيه لأن الله تعالى قال ‏(‏ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله‏)‏ ‏[‏النساء 92‏]‏‏.‏

فجعلها دية وكفارة لا غير والله الموفق للصواب‏.‏